قطار الإصلاح يبدأ بعربة التعليم

2012-04-16


 القدس العربي

منصور محمد هزايمة - التقرير العربي الرابع للتنمية الثقافية الذي صدرعن مؤسسة دار الفكر العربي يستحق أن يقرأ مرة ومرتين وأكثر، خاصة من أصحاب الشأن حيث استعرض واقع الثقافة العربية عند العرب ورصد بدقة أهم تحديات هذه الثقافة وحلل بصورة مثيرة للاهتمام محاورها الأساسية وزاد من أهمية هذا التقرير عما سبقه أنه ربما قدم تفسيرا علميا لزلزال الربيع العربي الذي اذهل العالم بعيدا عن التحليلات السطحية المرتبطة غالبا بالأهواء السياسية او النفاق لهذا النظام او ذاك وكان محور التعليم خاصة الجامعي منه قد حضي بتغطية كبيرة واظهرت واقعه المؤلم نسبة الى عدة قضايا مثل الاستقلالية والتمويل والادارة والبحث العلمي ومدخلاته ومخرجاته.
في الواقع ما جعلني أعود للكتابة عن هذا الحدث بعد أشهر هو أنني لم اقرأه وقت صدوره علما بانني تابعت التقارير التي صدرت عن هذه المؤسسة في السنوات السابقة وما أعرفه عنها من مصداقية البحث واستقلالية الفكر وحيادية الطرح واثار اهتمامي واعجابي دقة وموضوعية البحوث التي صدرت بحق كل محور من المحاور التي يعالجها التقرير وهذا يبرز لدينا مؤسسات وباحثين ومفكرين يمكن لهم ان يقدموا تشخيصا دقيقا ورؤى صادقة بل ويقترحوا حلولا مبتكرة اذا حظيوا باستقلالية مناسبة بعيداً عن الاستبداد السياسي أو المؤسسي باعتبارها تقدم استشرافا لمستقبل العرب من خلال نظرة حيادية لا تحابي احدا اوتنافق مستبدا.
ما جاء في التقرير عن التعليم كان صادقا وصادما في حقيقته فطالب المدرسة في بلادنا يكلف 120 دولارا مقابل 750 في الغرب أما الطالب الجامعي في عدد من اقطارنا مثل الاردن ومصر وسورية فيكلف 800 دولار مقابل 10000 دولار في اسرائيل و22000 دولار في امريكا اما بالنسبة للمرتبات والأجور فالجهاز الإداري الضخم والمترهل يمتص ما يقارب ثلثي ميزانية الجامعة والانفاق على البحث العلمي ليس ذا قيمة والجامعات لا تتمتع باستقلالية وتدار من الخارج والمخرجات هابطة المستوى لا يمكنها أن تنافس إقليميا أو عالميا.
إن الاختلال الرهيب بين كم ونوع المخرجات لدينا مع حاجة سوق العمل راكم لدينا أصحاب شهادات لا أهل ثقافة أو أصحاب كفاءات وأن تنامي قطاع التعليم الخاص وتفشي الجامعات الخاصة التي تهدف الى الربح المادي جعل مخرجات التعليم تتدهور سنة بعد اخرى وصولا الى تراكم جيوش العاطلين عن العمل.
من هنا سعى كثير من هؤلاء الذين لا يجدون فرصتهم في العمل الى العودة مرة اخرى الى الجامعات للحصول على مؤهلات ودرجات علمية اعلى لكن ليس الدافع الان هو البحث العلمي والرغبة الجامحة في المساهمة في اجتراح الحلول لقضايا مجتمعهم بقدر ماكان ذلك هروبا من واقعهم وأشبه مايكون ببطالة مقنعة.
النجاح صار غوغائيا وهدف الجامعة مادي أما هدف الطالب فرصة عمل فإن لم يجد فلا بأس أن يلوذ بالجامعة مرة اخرى ليحصل على الشهادة الثالثة وربما الرابعة وأعداد الطلاب في الدراسات الانسانية اضعافه في الكليات العلمية وكل هذا أدى إلى اختلالات في التعليم أدى بدوره الى اختلالات في سوق العمل فوجدت جيوش العاطلين في شبكات التواصل فرصتها ليعبروا عن أفكارهم وإبداعاتهم وضيقهم بأنظمة الاستبداد المتخلفة فيصب كل ذلك في ميادين وساحات التحرير في مدننا وعواصمنا فتشتعل الثورات وتطير كراسي توهمنا يوما أنها اثبت من رواسي الجبال.
ولو عدنا قليلا الى الوراء لعقد واحد فقط من الزمن الى قرية من قرانا لوجدنا أن حملة درجة الدكتوراه لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة اما اليوم فان عددهم ربما تضاعف عشرات المرات لكن دون ان يكون هناك أي أثر ايجابي لتراكم هذه الشهادات أو افتراض انهم ساهموا في زيادة او تغيير نمط التنمية في محيطهم لان الهدف الاساسي انتفى من وراء الحصول على الشهادة.
وعلى الرغم من أن جامعتنا تزدحم بالدارسين الا أن الواقع الثقافي وواقع البحث العلمي وواقع اللغة العربية لا يرضي أحدا ولا يبشر بخير ولا يمكن احداث تغيير الا باجتراح حلول خلاقة و اتخاذ قرارات جريئة وأهم من هذا كله أن يبتعد التعليم لدينا عن أجهزة الاستبداد السياسي والمؤسسي التي تخشى الإبداع وتعاديه.
لقد اخترت محور التعليم بين المحاور الاخرى للحديث عنه لأن التنمية الحقيقية والمستدامة لا سيما الاقتصادية منها ترتكز على هذا المحور فواقع التعليم لدينا في جميع مراحله مرعب حقا وإذا بقي الخلل في مدخلاته ومخرجاته وعملياته مع تناقض صارخ مع متطلبات سوق العمل فهذا يعني ان امتنا ستبقى تراوح مكانها بين استبداد قاتل او فوضى مرعبة.
منصور محمد هزايمة
الدوحة - قطر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

.

إلى روح أبي ، محب العلم ونبراس المعرفة

ذ عبد اللطيف البوزيدي ، إنشاء الموقع 02 / 10 / 2011 .. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

-

-