استسلم أنت محاصر! - عبد اللطيف البوزيدي

2012-08-01
صحيفة القدس العربي

مقالات أخرى للكاتب : سنة 2010 / سنة 2011
                                                                                                 ; خلافا لما تظنه غالبية الشعب السوري المضطهد من أن العرب والأتراك وبقية العالم قد تخلوا عنهم، تشير الوقائع على الأرض أن ' أصدقاء سورية ' لم يكونوا مكتوفي الأيدي طوال ثمانية عشر شهرا من عمر الثورة السورية، وأنهم اضطروا، أمام طبائع الاسترزاق والبراغماتية المتوحشة الصينية والروسية، أن يسلكوا سبيلا آخرغير التدخل العسكري المباشر، أعني بذلك أنهم ينفذون منذ شهور مخططا مخابراتيا ليست سوى جزءٍ منه تلك العمليةُ النوعيةُ التي أدت إلى تفجير مقر الأمن المركزي وقتل العديد من أهم قيادات العمليات القمعية. 
لا شك أيضا أن الأشهر القليلة الماضية عرفت تدفقا للأسلحة من دول الجوار أو عبرها إلى الثوار السوريين، لأن انشقاق جنود بأسلحتهم الخفيفة وحتى الاستيلاء على بعض الأسلحة خلال المعارك لا يفسر لوحده كل هذا التقدم السريع والمفاجئ الذي يحرزه الجيش الحر على الأرض والذي بلغ حد الاستيلاء على أهم المعابر الحدودية وإعلان الزحف على حماة. 
ومهما يكن مصدر أو نوع الدعم الذي يتلقاه الثوار السوريون، فإن المؤكد أنهم يسيرون بخطى حثيثةٍ نحو كسر شوكة الطغاة ومَن وَالَاهُمْ من جيشٍ وشبيحةٍ. 
وإذا كانت وضعية النظام السوري سيئة على المستوى السياسي حيث بات يتعلق بقشة الفيتو المزدوج الروسي الصيني فإن وضعيته الميدانية على الأرض ليست أقل سوءا على ما يبدو، فما هي احتمالات تلقي النظام السوري دعما خارجيا (بالمقاتلين والأسلحة) من حلفائه غير المشروطين؟ وأي دور يمكن أن تلعبه دول الجوار في سقوط النظام أو بقائه؟
على مستوى الداخل السوري لا ملاذ للأسد إلا إلى طائفته التي تعتبر أقلية، وإن كانت تشكل عصب الدولة وقيادات الجيش نظرا لما حظيت به ( أو بالأحرى ما ورطها فيه آل الأسد) من تفضيل وتميز وحصانة وتمكين على مدى عقود دون باقي شرائح المجتمع السوري، ولا أعتقد أن استقدام النظام السوري مقاتلين من حزب الله أو من الحرس الثوري الإيراني مثلا يمكن أن يكون ذا فائدة تذكر، رغم ما قيل عن ضبط واحتجاز خلية لحزب الله أغلب أعضائها مسنون قد تنطبق عليهم صفة الاستشاريين أكثر من صفة المقاتلين، فحزب الله ومقاتلوه الذين لا ننكر ما قدموه من تضحيات في مواجهة العدو الأكبر إسرائيل، هم ' تخصص كمائن '، وبجبهة خبروها جيدا، وبالتالي فإن خبرتهم الثمينة لن تنفع جيشا نظاميا كجيش الأسد، أو بالأحرى لن تنفع من تبقى من 'رفقاء السلاح' الذين يبكيهم السيد نصر الله بكل حرقة، كما أن عناصر الحرس الثوري الإيراني رغم ما يقال عن تدريبهم المتطور وقدراتهم القتالية العالية لا يمكن أن يجازفوا وهم يجهلون طبيعة الأرض، خصوصا وأن ميدان العمليات القمعية قد اتسع ليشمل معظم مدن وأرياف سورية، مما صعب مهمة ما تبقى من جيش النظام وشبيحته أنفسهم، ناهيك عن أن المهمة لم تعد بالهينة وأن القتل لم يعد في اتجاه واحد كما كان طيلة الأشهر الأولى من عمر الثورة، بل صار القتل متبادلا وصرنا نسمع عن مقتل قيادات وشبيحة بالجملة مهما حاول النظام أن يخفي خسائره الميدانية، ويتبع نهجا إعلاميا يستميت في فبركة واقع مزيف يوحي بأن هناك مناطق تعيش حياة طبيعية وترفل في الطمأنينة والأمن. هذا عن إمكانية استعانة النظام السوري بمقاتلين أجانب، أما عن تزويده بالسلاح من مصادر خارجية فهو أمر مستبعد تماما، إذ إن الجيش السوري لم يكف أبدا عن التزود بانتظام بأحدث الأسلحة من حليفه الروسي فقد كان متورطا في المستنقع اللبناني، و كان في مواجهة 'مزعومة' أو لنقل في 'حرب باردة' مع الكيان الصهيوني، وبالتالي فجيش النظام لا تعوزه الأسلحة ولا الجرأة على استخدامها بوحشية ضد شعبه الأعزل، بل يحتاج إلى وقف نزيف الانشقاقات في صفوفه وهو أمر شبه مستحيل نظرا لما نسمعه عن حدة تسرب الشك إلى القيادات في ولاء وحدات من الجيش والاستناد إلى معايير طائفية في إسناد المهام القذرة التي يقوم بها جيش النظام ضد شعبه. ما يحتاجه النظام أيضا وبدرجة أكثر حدة ربما، هي مظلة سياسية تقيه اللجوء الدولي إلى قرار وفق البند السابع، أي بمعنى آخر يحتاج جيش النظام إلى رخصة قتل وقصف وتدمير مفتوحة الصلاحية وهو ما لن تستطيع روسيا والصين توفيره له إلى الأبد، أما إيران، الحليف الطائفي والأكثر 'موثوقية'، فيبدو أن دورها مؤجل إلى حين تعرض سورية لهجوم خارجي، وإن كنت أشك في 'موثوقية' إيران بالنسبة لحلفائها، فقد عودت العالم على استعراض العضلات منذ عقود، وعلى التدخل من وراء حجاب، ورأينا كيف أنها لم تحرك ساكنا حين كان حليفها في محنة وكانت إسرائيل تدك جنوب لبنان وتقتل آلاف المدنيين، بينما تفضل هي إلقاء مفرقعاتها وصواريخها في البحار والصحاري وترهيب دويلات الجوار. وعلى أي فالآن وقد اتجهت الأحداث صوب تفكيك النظام من الداخل فإن إيران لا تملك لحليفها الأسد شيئا.
أما عن الدور الذي يمكن أن تلعبه دول الجوار في سقوط النظام أو بقائه فإذا استحضرنا استعداء النظام السوري لدولة جوار ذات وزن ونفوذ إقليمي مثل تركيا، من خلال تصريحات الأسد واتهاماته المباشرة ومن خلال إسقاط المقاتلة التركية، وكذلك السرعة التي أعلن بها العراق والأردن عن استنفار قواتهما على الحدود مع سورية وذهاب العراق حد الإعلان المتعجل عن سيطرة الكاملة للجيش الحر على كافة المعابر ، إذا استحضرنا كل ذلك نجد الأسد ونظامه، إضافة إلى التهديد الداخلي، محاطين خارجيا بدول هي إما معادية أو متحفظة أو مستنفرة . لا أستحضر إلا نظامين هما الكوبي والكوري الشمالي، استطاعا الصمود في مثل ظروف نظام الأسد، مع فارق جوهري هو أنهما لا يواجهان ثورة شعبية عارمة (أو ليس بعد )، لذا لا يسع إلا أن يقال للأسد: 'استسلم، أنت محاصر! ' أو حتى ' ماذا تنتظر؟ أن تلقى مصير القذافي؟'  عبد اللطيف البوزيدي -  كاتب مغربي                             تحميل المقال من الصحيفة   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

.

إلى روح أبي ، محب العلم ونبراس المعرفة

ذ عبد اللطيف البوزيدي ، إنشاء الموقع 02 / 10 / 2011 .. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

-

-